الشبيبة المسيحية في الأردن.. تحديات وطموح

بقلم أسامة شطارة

لا يخفى على أحد ان الشبيبة المسيحية في الأردن تعيش هذه الأيام واقعًا صعبًا فرضته عليها جائحة كورونا، وتسبب في انقطاع الاستمرارية. وهي أحد النقاط التي جعلت هذه الفعالية الرعوية الأكثر ثباتًا ونموًّا وتأثيرًا عبر عشرات السنين داخل رعايانا المنتشرة في الأردن بالإضافة إلى التبعات الاقتصادية الثقيلة التي ضربت بقوة بيوت الأردنيين. ولكن لا نستطيع الإدعاء أن جائحة كورونا فقط هي التحدي الوحيد الذي نعيشه، إذ أنّ قراءتنا كأمانة عامة للشبيبة المسيحية لواقع وأوضاع فرق الشبيبة واضح منذ عدة سنوات. وبناءً عليه بُنيت العديد من الأفكار وخطط العمل وتعاقب على تنفيذها نخبة من أبناء الشبيبة، في محاولة لتصويب الأوضاع وحل المشكلات. فأتت كورونا لتعمّق الجراح وتضيف مزيدا من القيود والعوائق.

لم يقتصر الأمر على منع التجمعات الكبيرة مثل اللقاءات والمخيمات والأنشطة، بل إلى إيقاف اجتماعات الشبيبة الأسبوعية التي تُعَد العصب الرئيس في تنشئة المجموعات العمريّة من فئة البراعم إلى الشبيبة العاملة، وتوّحد هويتهم كأبناء شبيبة في حضن الكنيسة.

ومع الضعف الكبير في البنية التحتية من أجهزة ومعدات تقنية كان التحوّل الإلكتروني خيارًا رفاهيًا ليس بمقدور الجميع الخوض فيه. وهنا لا بدّ من الإشادة إلى مجموعة من المبادرات وتجارب الاجتماعات عن بعد عبر منصة زووم وغيرها من النوافذ الالكترونية التي دأبت على تنفيذها شبيبة الرسل – الزرقاء الشمالي والسالزيان وقلب يسوع الأقدس – تلاع العلي والفحيص والحصن، وغيرها من فرق الشبيبة التي حاولت الإبقاء على الحد الأدنى من التواصل مع الأعضاء بمختلف أعمارهم. وعلى الرغم من ذلك يبقى للاجتماع الوجاهي وقع آخر وأهمية كبرى من خلال التفاعل الإنساني والمتابعة المباشرة، إذ عندما وجد الشباب باب الدير ومقر الشبيبة والمدرسة مغلقًا في وجوههم، توجهوا إلى المقاهي والنوادي وغيرها من الأماكن لتمضية الوقت وتعبئة الفراغ الكبير الذي تسبب به تعطّل الحياة بوجهها الاعتيادي.

على صعيد آخر، مرّ عيد يسوع الملك –العيد السنوي للشبيبة- بواقع مختلف أيضًا، إذ أنّ عددًا لا بأس به من فرق الشبيبة لم تقم بتعيين مجلس جديد لها، إما لضبابية المشهد أو لعزوف الأعضاء عن المسؤولية. الأمر الذي يظهر بوضوح من خلال وجود عدد من الآباء الكهنة في موقع المسؤول العام للفرقة، وهو الموقع الذي من المفترض أن يشغله شخص علماني مؤهل ليتابع خطط الفئات الماليّة والإداريّة، وينسّق بين مسؤولي الفئات لإعداد خطة الشبيبة السنوية، بالإضافة إلى مسؤوليته في الاتصال المباشر مع كاهن الرعية وفعاليات الرعية والأمانة العامة للشبيبة المسيحية. وظهر عدد آخر من المجالس الفتيّة المبشّرة بجيل جديد مفعم بالحيوية والحماس والطاقات التي إذا ما وُجهّت وتوبعت بعناية ستتمكن من إعادة النشاط الى مرحلة ما قبل كورونا بسهولة

أمّا على مستوى الأمانة العامة للشبيبة، وهي الجهة المسؤولة عن فرق الشبيبة في الأردن، فقد استثمرت بشكل كبير فترة التوقف هذه، ليس فقط لتأدية مهامها الاعتيادية وإقامة الأنشطة والاحتفالات الإلكترونيّة، بل في التفكير العميق بمشاكل وهموم الفعالية الأكبر عددًا في الأبرشية، ودراسة الحلول والبدائل في ظل استمرار تبعات الجائحة والقيود الحالية. وتدرك الأمانة اليوم أولويات العمل الهائل الذي تحتاجه بالتعاون بين كهنة الرعايا والمرشدين الروحيين ومجالس فرق الشبيبة وكل من له علاقة في حياة الشبيبة، وهي تعمل جاهدةً هذا العام إلى انجاز عدة محاور ضمن الخطة الاستراتيجية التي يجري إعدادها حاليا (شبيبة الأردن 2021-2025) التي سيتم نشرها لاحقًا، وسيتم دعوة العديد من المسؤولين وأبناء الشبيبة والكهنة المرشدين للتشارك في صياغتها في عملٍ ضخم يحاكي مؤتمر الشبيبة الأول الذي جرى عام 2010.

وأذكر هنا أهم المحاور التي سيتم العمل عليها بدايةً من الشهر الحالي، ومنها: محور تمكين مجالس فرق الشبيبة والمسؤول العام، محور إعادة احياء فرق الشبيبة، محور تمكين مهارات أبناء الشبيبة نحو التحول الرقمي وصناعة المحتوى، محور تحديث النظام الداخلي، محور دعم مقرات فرق الشبيبة، محور تطوير العلاقات مع الجهات والمؤسسات المحلية والخارجية، محور تطوير آلية صنع القرار والعمل في الأمانة، محور تطوير الاستدامة المالية، محور تطوير التواصل مع فرق الشبيبة، بالإضافة إلى العديد من المحاور بعيدة المدى التي ستتضمنها الاستراتيجية وسنفرد لها العديد من المقالات وجلسات النقاش في المستقبل.

وخلال الزيارة الرسميّة الأولى التي قام بها غبطة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا إلى الأردن، التقت الأمانة العامة للشبيبة بغبطته ونقلت إليه واقع الشبيبة وحجم التحديات الكبيرة التي تعيق عمل الأمانة ومسؤولياتها الرئيسية، حيث شدد غبطته على ضرورة التواصل معه شخصيًا لحل هذه العوائق أولاً بأول، وخرجنا من اللقاء بتفاؤل كبير ودفعة معنويّة ودعم ملموس بعهد جديد تحصل فيه الشبيبة على الاهتمام الذي تستحقه خاصةً بوجود بطريرك شاب مُحب للشباب والعمل.

إذًا هي مرحلة العمل الجاد بامتياز بعد أن أخذت الدراسات وقراءة الواقع والمعطيات على الأرض حقها من الوقت، وهي بالمناسبة الجزء الأصعب من العملية قبل عكسها على خطة استراتيجية تنبثق منها خطط تنفيذية سنوية عابرة للأمانات والأشخاص، وبمؤشرات أداء واضحة تؤسس لمفهوم المساءلة والمحاسبة. ونطمح هنا إلى تعاون الجميع ومشاركتهم في توحيد الجهود نحو إعادة احياء فرق الشبيبة، لتستعيد مكانتها وأهميتها في العمل الرعوي. وستبقى شبيبة الأردن بشبابها وروحانيتها وتنظيمها الاستثنائي علامة فارقة في بطريركيتنا بالرغم من الأوجاع. ندرك اليوم تمامًا ما هو المطلوب، فلنبدأ العمل!

Facebook
Twitter
WhatsApp
Email