إعداد: الأب فارس نعيم سرياني
تُعرَفُ الكَنيسةُ الكَاثوليكيةُ الْمُقَدَّسَة، بِإكْرَامِهَا الشَّديدِ مُنْقطِع النّظيرِ، للأمِّ القدّيسةِ مَريمَ العَذراء. كيفَ لا وهيَ حَامِلةُ الإله، مَنْ وَهَبَتْ البَشَريّة وَاهِبَ الخَلاصِ وَمَانِحَ الفِدَاء، ربَّنا يسوعَ الْمسيح. ونحنُ في غَمرةِ شَهرِ السَّيدَةِ الْمُبَارَك، شَهرِ أَيّار، نُريدُ وَإيّاكُم أَنْ نُعرّجَ عَلَى أَهمِّ العَقائدِ الّتي تَخُصُّ بها الكَنيسةُ الكَاثوليكيّة، أُمَّنا الْمجيدَةَ مَريمَ العَذراء.
أَوّلًا، العقيدة
العَقيدَةُهيَتِلكَ الأمور الّتي اعْتَنِقُها، بِشَكلٍ ثَابِتٍ لا يَقبَلُ الشَّك. والعَقيدَةُ الإيمانيّة، هيَ وَسيلَةٌ بَشَريّة، مِنْ خِلالِها أُعَبّرُ عن إيمانيَ بالحقَائِقِ الّتي أَوحَى بها الله، مِن خلالِ الكِتَابِ الْمُقَدَّس مَصدَرِ العَقيدَة، وَصَاغَتُهُ الكنيسةُ وَديعَةَ إيمانٍ رَاسِخَة. كإيمانِنَا بِعَقائدِ التَّجسُّدِ، والثَّالوثِ الأقدَس، والحُضورِ الحقيقيّ لِسَيّدنا يسوعَ الْمَسيح في سرِّ الإفخارستيّا.
أَضِفْ إلى ذَلِك، أَنَّ العَقَائِدَ لَيسَت فَقَط مُجرّدَ تَعَابيرٍ مَكتوبَة، بَل هيَ أَيضًا مُمارسَاتٍ نَعيشُها مِن خَلالِ الّليتورجيّا الْمُقدَّسة. أَمّا دورُ العَقيدَة، فَهوَبَيَانُ حَقيقَةِ الإيمانِ القَويم، والحِفاظُ عَليه، وَالدِّفَاعُ عَنه في وَجهِ الهرطَقَاتِ والأضالِيل.
ثانيًا، عقائِد الإيمان
قَانونُ الإيمان “نُؤمِن بإلهٍ واحِد…” هوَ دُستورٌ يُجمِلُ عقائِدَنا الْمَسيحيّةِ وَيحفَظُها، أَيْ كيفَ نُؤمِنُ بالله، بِحَسَبِ مَا أَوحى لَنَا في الكِتَابِ الْمُقَدَّس. والكَنيسةُ كَانت صَاحِبَةَ الصِّياغَةِ العَقَائِديّة، نَظَرًا إلى ظُهورِ اِنْحرافاتٍ، هَدَّدَت سَلامَةَ الإيمانِ وَاسْتِقامَتَه. وَمِنْ أهَمَّهَا هرطَقَةُ آريوس، الَّتي كَانَت تُنكِرُ لاهوتَ السّيدِ الْمَسيح، وأُخْرَى تَمسُّ لاهوتَ الرّوحِ القُدس. وَعَليه، الْتَأَمَتْ الكَنيسَةُ في مَجمعِ نيقيا الأوّل عام 325، واضِعَةً قَانونَ الإيمان، حَتّى اِكتَمَلَ مَع مجمعِ القُسطنطينية الأوّل عام 381. ولذلكَ يُسَمَّى “قانون الإيمان النّيقاوي-القُسطنطيني”. وَاسْتَمَرَّت حَالةُ “التَّوافُقِ الْمَجمَعي”، حتّى الْمَجمَعِ الْمَسكوني السَّابع، مجمعِ نيقيا الثّاني عام 787، الَّذي أَنهى مَا يُعرَفُ بِ “حَربِ الأيقونات”.
وَبعدَ الشَّرخِ الكَبير الَّذي أَصَابَ الكَنيسَةَ سنة 1054، أَعلَنَتْ الكَنيسَةُ الكَاثوليكية، بموجَبِ مجامِعَ خَاصَّةٍ بِها وَإعلانَاتٍ حَبريّة، مَجموعةَ عَقائِدٍ تُؤمِنُ بها، كَعَقيدَةِ الحَبَلِ الطّاهِرِ بالعذراءِ بِلا دَنـسِ الخطيئة، وَعَقيدَةِ انتِقَالِ السّيدِة.
ثالِثًا، العَقائِد الْمَريميّة الكُبرَى
للعَذراءِ مَريم عَقَائِدُ عِدَّة، مِنها مَا هوَ مُشتَرَكٌ بينَ الكَنَائِسِ الرَّسُوليّة، كَعقيدَةِ العَذراء أُمِّ الله. وَمِنها مَا هوَ خَاصٌّ بالكَنيسةِ الكاثوليكيّة، كعقيدةِ الحبلِ بِلا دَنس. أَمّا أَهمُّ العَقَائِدِ الْمَريميّة بِحَسَبِ الكَنيسةِ الكَاثولِيكيّة، فَهِيَ مَا يَلي:
-
أمّ الله، حامِلَةُ الإله
وَهيَ العَقيدَةُ الْمَريميّة الأولَى تَارِيخيًّا، وَقَدْ جَاءَ إعلانُها عام 431، مَع مَجمعِ أَفَسس (في تركيا اليوم) الْمَسكوني الثّالِث. حَيثُ أَكَّدَ فيهِ آباءُ الْمَجمع، عَلَى أَنَّ السَّيدَ الْمَسيح،هوَ شَخصٌ وَاحِدٌ غَيرُ مُجزَّأ، حامِلٌ في شَخْصِهِ: الطَّبيعَةَ الإلهيّة والطّبيعَةَ الإنسَانِيَّة. والعَذراءُ مَريم هيَ أُمُّ هَذَا الشَّخصِ بِطَبيعَتَيه، ولِذلِكَ أُعْطِيَتْ لَقَبَ العَذراءِ أمِّ الله. لَيسَ لأنّها هيَ مَنْ أَعْطَتْ مَولُودَها الطّبيعةَ الإلهيّة، بَلْ لأنّها حَمَلَتْ في حَشَاها الطّاهِر، وَوَلَدَتْ كَلِمَةَ الله يسوعَ الْمَسيحَ الإله.
وَعَلَيه، نحنُ الْمَسيحيّين لا نُنَادي أبَدًا “بِتَزاوج الإلهة”، كَمَا يَعتَقِدُ البَعض، فَمريم لَيسَتْ إِلهة، ولم يَحدُثْ “اقْترانٌ زَوَاجِي” بَينَها وَبينَ الله. وَلَكنَّها أَنجَبَتْ حَامِلَ الطّبيعَةِ الإلهيّة، كَلِمَةَ الله يَسوعَ الْمَسيح، الّذي تَجسَّدَ فيهَا وَوُلِدَ مِنها.
وَلِهذهِ العَقيدَة جُذُورُها في الكِتابِ الْمُقَدَّس. فَالفَصلُ الأوّل مِن بشارةِ القدّيسِ يوحنّا، يُؤكِّدُ عَلى طَبيعَةِ الْمَسيحِ الإلهيّة: ﴿في البَدءِ كَانَ الكَلِمَة، وَالكَلمَةُ كَانَ لَدَى الله، والكَلِمَةُ هوَ الله. وَالكَلِمَةُ صَارَ بَشَرًا، فَسَكَنَ بَينَنَا﴾ (يوحنّا 1:1، 14). والْمَلاكُ جِبرائيل سَاعةَ البِشارة، يُخاطِبُ العَذراء، مُؤكِّدًا لَها بِأنَّ مَولودَها: ﴿يَكونُ قُدُّوسًا وابنَ اللهِ يُدْعَى﴾ (لوقا 35:1). وَلَحظةَ الْميلاد، تَزُفُّ ملائِكةُ العُلى البُشرى للرُّعاةِ قائِلَة: ﴿وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخلِّصٌ، وهوَ الْمسيحُ الرّب﴾ (لوقا 11:2). ومِن هُنا، نَجِدُ أَنَّ البِشَارَةَ الإنجيليّة، قَدْ بَيَّنَتْ مُنذُ البَدءِ، الطَّبيعَةَ الإلهيةَ الّتي يَحمِلُها مُولودُ مريمَ العَذراء، الْمسيحُ يَسوع.
هَذا البَيانُ الْمُوحَى والْمُلهَم، بالإضافَةِ إلى إيمانِ الشَّعبِ الْمَسيحيّ بهذهِ الحَقيقية، حتّى قَبلَ إِعلانِها، هُوَ مَا استنَدَ عَلَيه آَباءُ مجمعِ أفَسُس، لِدَحضِ هرطَقَةِ نَسطوريوس، مُؤكِّدينَ عَلَى وَحدةِ الْمَسيحِ الشَّخص، وَعَلَى ثُنَائيّةِ الطَّبيعَتين فِيه:الإلهيّةِالكامِلَة والبَشَريّةِالكَامِلَة. وَعَلَى أَنَّ مريمَ العَذراء، هِيَ والِدَةُ الشَّخصِ الواحِد، يَسوعَ الْمسيح، الإلهِ وَالإنسَانِ مَعًا.
وَجاءَ في بَيانِ الْمَجمَع: “لَم يُولَدْ أَوّلًا مِن العَذراءِ إنْسَانٌ عَاديّ، حَلَّ فيهِ الكَلِمَةُ الإلهيّ في وَقتٍ لاحِق، لَكِنَّ الكَلِمَةَ الإلهيّ الْمُتَّحِدَ بالجَسَدِ في الحَشَا البَتولي، هوَ نَفسُهُ وُلِدَ حسبَ الجَسَد. لِذا تُدعَى مريم والِدَةَ الإله، لا بِمَعنى أنَّ طبيعةَ الكَلِمَةِ الإلهيِّ قَدْ صَدَرَت عَن العَذراءِ القِدّيسَة، بل بِمعنى أنَّ كَلِمَةَ الله، أَخَذَ مِنهَا لِذاتِه جَسَدًا مُقدَّسًا”. وَنحتَفِلُ بِهَذِه العَقيدَة في الأوّلِ مِن كَانونِ الثّاني، مِنْ كُلِّ عَام.
-
البَتوليّة الدّائِمَة
فَمَريمُ العَذراء، وَنَظرًا للاصْطِفَاءِ الإلهيّ الّذي اختَارَهَا لِتَكونَ أُمًّا للْمَسيحِ الرّب، بَقِيَت بَتَولًا كُلَّ حَياتِها، وَلم تَعرِفْ رَجُلًا بالْمَعنى الجَسَديّ. ثُمَّ أَنَّ اللهَ الَّذي اصْطَفَاها، قَدْ أَنعمَ عَليها بِأنْ تَكونَ أُمًّا، وفي نَفسِ الوَقت لَبِثَت بَتولًا. وَبَتُولِيَّتُها هَذه لم تَكْن فَقَط بتوليّةً قَبلَ الوِلادَة، بَلْ أَثناءَها وَبَعدَها. ولِذلِك العَذراءُ هي دائِمَةُ البَتُوليَّة.
فَمَريمُ العَذراء قَدْ حَبِلَتْ بِيَسوعَ الْمَسيح دُونَ تَدَخُّلِ رَجُلٍ،بَل بِقُدرَةِ الرُّوحِ القُدس، وَهذهِ هي بَتوليّةُ مَريم قَبلَ الولادة. ثُمَّأنّها قَدْ بَقيَتْ بَتُولًا أَثنَاءَ الوِلادَة، فَولادَتُها لَيَسوع كَانَتْ أَيضًا فَائِقةَ الطَّبيعَة، فَخَرجَ مِنْ رَحمِهَا مِثلَ النّورِ الَّذي يخترِقُ الزّجاجَ، دُونَ أنْ يُصيبَهُ بِأيِّ خَدْشٍ. وَبَعدَوِلادَةِ يَسوع، ظَلَّتْ مَريمُ بَتولًا عَفيفَةً مِنْ أَيّةِ عَلاقَةٍ، وهذهِ هيَبَتُولِيَّتُها بَعدَ الوِلادَة.
هَذهِ العقيدَة، وإنْ كانَت تُخالِفُ أَعْرَافَ الطّبيعَةِ وأنماطَها، إلّا أنّها تُعبّرُ عَنْ قُدْرَةِ اللهِ الفَائِقَةِ الطَّبيعَة. فالّذي وَضعَ قَوانينَ الحَبَلِ وَالتَّكَاثُرِوالوَلادَةِ لَدَى البشر، قَادِرٌ عَلَى تجاوزِهَا لحظَةَ تجسُّدِهِ وَوِلادَتِهِ مِنْ أُمِّهِ مَريم. وبذلكَ،يكونُ اللهُ قَدْ جَمعَ في البَتولِ مَريم فَخرَينِ عَظيمَين: فخرِ البَتوليّة وَفخرِ الأُمُومَة.
جَديرٌ بالذّكرِ أنَّ الفنَّ الْمَسيحيَّ الْمقدَّس، قَدْ عَبَرَّ عَنْ عَقيدةِ الإيمانِ هَذهِ، بِأنْ جعلَ ثَلاث نَجماتٍ في الأيقوناتِ الْمَريميّة، رَمزًا إلى بَتوليّةِ مِريم العَذراء، قَبلوَأثناء وَبَعد ولادةِ سيدّنَا يَسوع الْمسيح.
-
الحَبَل بِلا دنس
وَهِيَ عَقيدةٌ أَعْلَنَها البابا بيوس التّاسع، مُؤكِّدًا فيها عَلَى أَنَّ اللهَ الّذي اختَارَ مَريم، وَحباهَا حُظوَةَ استِقبالِ الكَلمَةِ الإلهيِّ في حَشاهَا، قَدْ حَفِظَها مُنَزَّهَةً نَقِيَّةً مِنَ الخَطيئةِ الأصليّةِ، وَمِنْ آَثَارِها وَنَتَائِجِها. وَجاءَ نَصُّ العَقيدَةِ، الّذي أَعلَنَهُ البابا في 8 كانون الأوّل سنة 1854، في البَراءةِ الرَّسولِيّةِ “Ineffabilis Deus- الله الفَائِقُ الوَصف”، كَما يَلي:
((بِسُلطانِ ربِّنا يسوعَ الْمسيح، نُعلِنُ ونُحدِّدُ، أَنَّالعَقيدةَ الّتي تَقول بإنَّ العَذراءَ مَريمَ الْمَغبوطة، قَد عُصِمَت مِنْ كُلِّ دَنسٍ لِلخطيئة الأصلية، منذُ الّلحظَةِ الأولى لِلحَبلِ بها، بِنعمةٍ وَحُظوَةٍ خَاصّةٍ مِنَ الله القدير،نَظرًا إلى استِحقَاقَاتِ يَسوعَ الْمَسيح، مُخلّصِ الجنسِ البَشري،هِيَ عَقيدةٌ أَوحَى بِها الله،وهَكذا يجبُ أن يَعتَقِدَها كُلُّ الْمَؤمنين، بِثباتٍ وفي كُلِّ حِين. فَلَقدْ اختارَ اللهُ الّذي يَفوقُ الوَصف، مُنذُ البَدءِ لابنِه أُمًّا يُولدُ مِنهَا بعدَ التّجسُّدِ. وَأَظهرَ لها مِنَ الحُبِّ فَوقَ كُلِّ الخَلائِق، ما جَعَلَهُ يَضعُ فيهَا، عَلَى وَجهٍ فَريد، أَعظمَ مَرضاتِه. لِذلِك، غَرفَ مِن كَنزِ أُلوهِيّتِهِ، وَآَتَاهَا غَزيرَ نِعَمِه السَّمَاويّة، إذْ عُصِمَت مِنْ دَنسِ أَيِّ خَطيئة، وَزُيِّنَت بالجمالِ والكَمال)) .
الكَنيسة الكاثوليكيّة في وثائِقها، # 2800، 2803
هَذَا التَّحديدُ العَقائِدي يَعني:
-
أَنَّ القدّيسةَ مَريمَ العَذراء حُبِلَ بها بِطَريقَةٍ طَبيعيّة كَسائِرِ البَشَر، وَأَنّها وُلِدَت مِن والِدَيها يواكيم وحنّة، وَعَاشَتْ دُونَ أنْ تحمِلَ أَو تَعرِفَ الخَطيئَة.فَنَفسُهَا الشّريفَة، كَانَتْ مُصانَةً بِنعمَةِ الله، مُنذُ أَنْ تَكَوَّنَت في حَشَا وَالِدَتِها.
-
هَذَا الإنْعَامُ الفَريد، حَصَلَت عَليهِ مريم بِاستِحقَاقَاتِ ابنِهَا وَفَادِيهَا يَسوعَ الْمَسيح، لِتَكونَ الحَشَا الْمُقَدَّس والرّحمَ الطّاهِر، الّذي حَوَى الرَّبَّ يَسوعَ الْمسيح.فَمِنْ نَاحية، هيَ مِثلنَا بحاجَةٍ إلى خَلاصِ الْمَسيح الّذي تمَّ عَلَى الصَّليب، وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخرى حَصَلَتْ مريمُ عَلَى الخَلاصِ قَبلَ صَلبِ الْمَسيحِ وَمَوتِه، وَبِطَريقَةٍ مُسبَقَةٍ واسْتِثنائيّة،تَمَيَّزَت بها عَن سَائرِ البَشر. ومريمُ العَذراء قَدْ أدْرَكتْ ذلِكَ، فَأنْشَدَت قائِلَةً: ﴿تُعَظِّمُ الرّبَّ نَفسي، وَتَبتَهِجُ رُوحي باللهِ مُخلِّصي﴾ (لوقا 46:1).
-
هَذا الإعلانُ جَاءَ تَتويجًا لإيمانِ الشَّعبِ الْمَسيحيِّ القَويم، وَلإكرامِهم العَظيم لِمَريمَ العَذراء. فَمُنذُ بَدءِ الْمَسيحيّة، تُعَظِّمُ الكَنيسَةُ والْمَسيحيِّون في كُلِّ مَكان، طُهرَ مَريم، كُلّيةَ القَداسَة، البَريئَةَ مِن كُلِّ دَنَس، كَمَا يَصِفُها آَباءُ الكنيسَةِ وَكُتّابُها الّلاهوتيّون، في الشَّرقِ وَالغَرب.
عَلى هَذهِ العَقيدةَ وَرَدَت بَعضُ الاعتراضات، نُجيب عَلَيها كَما يلي:
-
بِمَا أنَّ اللهَ هوَ الطُّهرُ بالذّات، وَجَبَ أنْ يُخَصِّصَ لِذَاتِهِ أُمًّا طاهِرَةً عَلَى مِثالِه، دُونَ أنْ يَسمَحَ لِلخطيئةِ أَوْ نَتَائِجِها أَنْ تَمَسَّهَا وَلَو لِلَحظَة. وَلِكَونِه مُفيضَ النِّعمَةِ وَالقَدَاسَة، غيرَ الْمَحدودِ بِزمانٍ ومَكَان، اِسْتَطَاعَ أنْ يُقدِّسَ ويُخلّصَ في الوَقتِ الّذي يَشَاء، وَأَنْ يحفَظَ عَلَى الدَّوامِ، مَنْ اختَارَها أُمًّا للكَلِمة.
-
هذهِ العَقيدَةُ لَيَسَت فِعلَ مُحاباةٍ من اللهِ كَمَا يَعتَقِد البعض. فهناكَ فَرقٌكَبير بَينَ الْمُحَابَاةِ القائِمَة عَلَى مَنافِعَ وَمَصَالِح، وَبينَ الاختيار الّذي هوَ هِبَةٌ مِن اللهِ وَحدَهُ، والَّذي بِإرادَتِهِ أَفرَدَ مريم لهذا الدّور.
-
ولا نَنسى بَعضَ الوقائع الّتي وَرَدَت في الكتابِ الْمقدّس. فَمَثَلًا لأجلِ إبراهيمَ خَلِيلِهِ، كانَ اللهُ سَيُلغي العِقَابَ الّذي أَرادَ أن يُنزِلَهُ بِأَهلِ سَدوم (تكوين 16:18-33). وفي سفرِ دانيالَ النّبي، يَقِفُ عَزَرْيا مُصَلِّيًا: ﴿ولا تُحوّل رَحمَتَكَ عنَّا، لِأجلِ إبراهيمَ خليلِكَ وإسحقَ عبدِكَ وإسرائيلَ قدّيسِكَ﴾ (35:3). وَعَليه، إذا كانَ اللهُ لأجَلِ أَصْفِيَائِه في العهدِ القَديم، سَيُغيّرُ ويُبدِّلُ، فَكَمْ بالأحَرَى سَيصنَعُ لِمَنْ اصْطَفَاها لِكَلِمَتِهِ أُمًّا، وَهيَ السَّامِيَةُ عَلَيهم جَميعًا؟!
-
في تَعليقٍ للأبِ العَلّامَة بَيتر مَدروس، مِن كَهنةِ البَطريركيّة الّلاتينية الأورشليمية، يَقول: “يتمُّ الخَلاصُ بِطَريقتين: الطَّريقَةُ الأولى بِالعِلاجِ بَعدَ الْمَرض، والطّريقَةُ الثَّانيَةُ بالوِقَايةِ الْمُسبَقَةِ مِنَ الْمَرض. فَاللهُ خَلَّصَ سَيّدَتَنَا مَريمَ العَذراء منَ الخطيئة، بِطَريقَةٍ مُسبَقَةٍ وِقَائِيَّة)).
-
وَالقِدّيسَةُ تريزيا الصّغيرة كَتَبَت تَقول: ((يُسَاعِدُ اللهُالنّاسَ في صُعُوبَاتهم بِطَريقَتين: إِمَّا أنْ يُساعِدَهُم وَسَطَ الأشواكِ والحِجَارةِ الّتي في طَريقِهِم. وَإمَّا أنْ يُساعِدَهُم بِإزَالَةِ الأشواكِ والحِجَارَةِ مُسبَقًا مِنْ طَريقِهِم)). واللهُ في حَالةِ مَريم، أَزالَ كُلَّ مَا مِنْ شَأنِهِ أَنْ يَنتَقِصَ مِنْ طَهارتِها أَو يَنالَ مِنْ قُدْسِيّتِهَا، وَمنذُ الَّلحظَةِ الأولى لِلحَبَلِ بها، وَحَتّى سَاعةِ انَتْقَالِها الْمَجيدِ إلى السَّمَاء.
نحتَفِلُ بِهَذِه العَقيدَة في الثّامن مِن كانون الأوّل، مِنْ كُلِّ عَام.
-
الانتقال إلى السَّماء بالنفسِ والجَسَد