أين أنا من صليب يسوع؟

فَأَخَذُوا سُعُوفَ النَّخْلِ وَخَرَجُوا لِلِقَائِهِ، وَكَانُوا يَصْرُخُونَ: «أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!» (يوحنا 12: 13)

ثُمَ بَغتَةً!!!

فَصَرَخُوا: «اصلبه! اصْلِبْهُ!» (لوقا ٢٣: ٢١)

هُنا صَدمَةٌ أُخرى نستطيعُ أن نراها في عيونِ يسوعَ، الواقفِ في شُرفةِ بِلاطِ بيلاطس، مُكلَّلاً بتاجٍ أجلُّ مِن تيجانِ كّلِّ مُلوكِ الأَرض، مُرَصَّعًا بأشواكٍ أَمْسَتْ أثمنَ مِنَ الذهبِ واللآلئ لأنها تَقَدَّسَتْ بِشُربِها دَمَ السَّيد..

مَن قالوا لَهُ مُبارَكٌ أنتَ يا مَلِكِ إسرائيل، أصبَحوا بِذاتِ الفم وذاتِ الصَّرخات، وذاتِ الاندِفاع، يَطلُبونَ زَهْقَ روحِهِ على الصليبِ، مُنكِرينَ وَمُستَبدِلينَ مُلْكَهُ الإلهيَّ بِمُلْكٍ أرضيّ أي “القيصر” «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ!» (يوحنا 19: 15)، مُقايضينَ المَلِكَ الحَقّ الذي أتى لِيُحَرِّرَهُم مِنْ أسرِ الشَّيطان ومِنْ مَلَذّات هذا العالَمِ وَحتّى مِنْ ذَواتِهِم بمُلْكِ الباطِل مُتَمَسِّكينَ بِأغلالِ العُبودِيِّة.

بَعْدَ أن كانوا مُنْذُ قَليلٍ يَطلُبونَ لَهُ البَرَكةَ “مُبَارَكٌ الآتِي”، ما بَرِحوا لَحظَةً لِيَعودوا لِتَحقيقِ مَشيئَةِ سَيِّدِ هذا العالَم بأن يُصبِحَ المُبارَكَ مَلعونًا على خَشبةِ الصليب. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ» (غلاطية ١٣:٣) – (تثنية ٢٣:٢١).

كُنتُ سَأسأَل: أين مَنْ شَرِبوا خَمْرَةً مُعجِزِيَّةً في قانا؟ أين مَن جُعِلَ لَهُم بشفاعة أُمِّ الرب أَوَلَ مُعجزة، أَو لِأَقُل المعجزةَ ما قَبْلَ الأولى لأنَها هي التي بُكِّرَت ساعتها، قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ» (يوحنا ٢: ٤).

كُنتُ سَأسأَل: أين مَن أنفَقَت كُلَّ ما تملِك، لَيسَ مالاً فقط، بَلْ أنفَقَت حياتَها ووقتها واحتِرامَها أمامَ الناس حَتى احتِرامَها أمام نفسِها في مَرَضِها، ثُمَ أتى المصلوب وأوقفَ نَزيفَ دمِها بِلمسةٍ؟ (لوقا ٨: ٤٣-٤٨). كأني أراهُ يَقول: “مِن دَمي المراقِ غَدًا على الصليبِ، أُعطيكِ تَعويضًا عمَّا نَزفتي”.

كُنتُ سَأسأَل: أينَ الجياعَ الذين فاقَوا الخمسةَ آلافِ رجلٍ وأُشبِعوا بسمكتين وخمسَةَ أرغِفة؟ (مرقس ٦: ٣٠-٤٤)، لَو أرادوا الدِفاعَ عمَّنْ أشبَعَهُم في وَقتِ عَطَشِه (يوحنا 19: 28) كانوا قادِرينَ لِوَحدِهم أن يَفُكُّوا أسرَ السيِّد مِن أَيدي الظالِمين!

حَتى الأَبرَصَ الذي فاجَئَني شَخصيًا بِعَودَتِهِ بَعدَ تَطهيرِهِ مُخالِفاً فِعلَ التِسعةِ الآخرين لِيُمَجِّد الله، عِندما جائَتْ لحظَةُ الحقيقة أي ساعةَ الصليب…. إختفى هو أيضًا (لوقا١٧: ١١-١٩).

لكن لماذا أتساءلُ متعجبًا عمَّن لم يَلتقوا يسوعَ إلا سوَيعاتٍ قليلة، وأنا أرى مَن:

ساروا مَعَهُ، أَكَلوا مَعَهُ، وشرِبوا مَعَهُ، مَن رأوا مَجدهُ على جبل التجلي جامِعاً الشريعةَ والانبياء (متى ١٦: ١-٨).

من سَمِعوهُ يَتَغَلَّبُ على جهابِذَةِ الشريعة صِدِّيقيون كانوا أم فريسيين بِحكمةٍ تَجاوَزَت بِدورِها حِكمَةَ سُلَّيمان (متى ٢٢: ١٥-٤٦).

مَن لهم وحدَهم كَشَفَ المسيحُ أسرارَ الملكوت (متى ١٣: ١٠-١١).

مَن سَمِعوهُ يُعلنُ أنه الله المتجسد وأنه واحدٌ والآب (يوحنا ١٠:٣٠).

أراهم يَفِرّون مٍن أمامِ الجنودِ تاركين خَلفَهم المُعلِمَ والربّْ (يوحنا ١٣:١٣)، يواجِهُ حَتفَهُ وحيدًا، بِلا صديقٍ، ولا أخٍ، ولا تلميذ يدافع عَنه أو يُواجِهَ صرخة الجموع “إصلِبه إصلِبه” بصرخَةٍ أعظم “أطلقه أطلقه” لكن ويا لَحُزنِ قلبَ يسوع ويا لِمَرارةِ كأسِهِ وخيبة أمَلهِ في تلاميذه.

أكاد أَجزِم أن الكأسِ الذي طَلَبَ مِنَ الآب أَنْ لا يُسقيها له كانَتْ جُلَّ مُحتواها خَيبةُ الأَمَل مِنْ هؤلاء التلاميذ (متى 26: 42).

لكن الآن وَفي هذِهِ السّاعَة يجب عليك أنت أن تُشارِكَني تَساؤل أخير:

أين أنا مِن صليب يسوع؟؟!!

 

بقلم: ابراهيم مسلّم
كتبه لموقع أبونا

Facebook
Twitter
WhatsApp
Email